من بعيد لبعيد
مجموعتي الرابعة (تلاتين سنة) بقلم د/ خالد الشريف
النص الثاني والثلاثون بعد المائة
132- (
من بعيد لبعيد )
لازلت أذكر صباح اختبار الجبر في الشهادة الإعدادية حين تحدث إلينا
مدرس الرياضيات الذي كنت أحضر معه درس خصوصي كي يطمئن أنني ذاكرت جزء معين من
المقرر وهذا كان يعكس حرصه الشديد الطريف أن أبي وعلى غير عادته أخد السماعة
التانية من التليفون واستمع للمكالمة كاملة وهو أمر استغربته حينها ولم أفهمه
وراجعته فيه قبل أن أنزل إلى الاختبار سألته :
-ليه يابابا أخذت سماعة التليفون البني المعلق في غرفتك واستمعت إلى
ما يقوله لي أستاذ علي ؟
-لأنك نازل رايح اختبار ودي شهادة إعدادية خفت يقول لك أي كلام يوترك
أو يخرجك من تركيزك ولما وجدته ينصحك نصائح عادية اطمأننت وأغلقت السماعة
وهنا استشعرت جزء من شخصيته في التربية فهو بعد أن خرج من تربيته
لوحيد وناصر منهكاً اكتفى في تربيتي أنا ومهند وصفاء بدور المراقب الذي لا يتدخل
إلا في اللحظات الحرجة أو اللحظات الحاسمة كان يفرض على نفسه سياج يعيش في داخله
الموسيقى الكلاسيك التي كان يشغل اسطواناتها على البيك أب المتهالك الذي دمره ناصر
ودمر توابعه في طريق إظهار شغفه بالالكترونيات قبل أن يدخل كلية الهندسة ورائحة
البايب (البيبة )أو الغليون الجميلة التي كنت أحب أن أشمها أحياناً -رغم أنه لم
يكن يدخن السجائر مطلقاً بل كان يكره رائحتها وهذا أمر كان يستغربه وحيد مرة قال
لي :
-أبوك ده شخص غريب بيكره رائحة السجائر وهو بيدخن أصلاً 😊
وهذا مثال للتناقضات في الشخصية الكاريزمية
الهادئة في أغلب الأحيان لكنها كالبحر الذي يمكن أن يقلب في لحظة فيتحول إلى أمواج
من العصبية حسب الموقف ولذلك كنت أتجنب التصادم معه لكني عزلت نفسي عنه نوعاً ما
كانت اهتماماتي بطبيعتها مختلفة عن اهتماماته لم يكن يهتم بالكورة مثلما زرع فينا
وحيد التعصب وتشجيع الأهلي ولم يكن يستمع لموسيقى شبابية ولا يعرف حتى حميد
الشاعري أو محمد منير على أقل تقدير أكثر ما أتذكره له في الرياضة أنه اعترف لنا
مرة أنه كان يشجع الإسماعيلي وقت ما أحرز الإسماعيلي أو بطولة أفريقية لمصر عام
1970 بفوزه على الانجلبير بطل زائير و أكثر مشاهد رأيتها له يلعب أعتقد مرة ذهبنا لنادي
الشرطة مع عم إسماعيل المحامي جارنا فأمسك بمضرب البنج (تنس الطاولة) ولعب معانا
جيم أو اتنين وقد يرى البعض ذلك ديمقراطية فلم يفرض علينا أن نحب ما يحبه لكني كنت
أتمنى أن يهتم بي أكثر من ذلك ولو معنوياً فقط
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .....
هكذا علمتنا الحياة
___________ تمت ________________
تعليقات
إرسال تعليق